خامسا: التحصن بالأذكار والأدعية
وهذا أمر مهم لكل مسلم عامة، ولمن يعيش تلك الآفة النفسية خاصة، لأن الأخذ بها من أسباب الحصول على الراحة النفسية والطمانينة القلبية، قال الله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}. إذاً، فلأجل أن يتعافى المسلم مما أصابه، أو يسلم منها ابتداءً ممن لم يقع فيها، عليه أن يتحصن بعدد من الأذكار والأدعية المشروعة في اليوم والليلة ولا يتهاون في الأخذ بها، لأن فيها الأجر العظيم، والحصن المنيع لجملة كبيرة من الأمراض النفسية التي يعيشها كثير من الناس اليوم.
ومن أهمّ الأذكار :
1 - أذكار الصباح والمساء.
2- أذكار الأحوال والمناسبات كدعاء النوم والاستيقاظ ، ودخول البيت والخروج منه.
3- أذكار ما بعد الصلوات الخمس.
4- النفث على الجسم عند النوم ثلاثاً بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين.
5- ذكر التهليل مائة مرة.
6- قراءة الآيات والأدعية المعروفة (بالرقية الشرعية).
7- كثرة الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يخلصك، من هذه الآفة ومن كل شر ومصيبة.
سادسا: ملء الوقت بما يفيد من الأعمال
يمكن تشبيه القلب في وظيفته بالمصباح الزجاجي يضيء ما دام مغلقاً، فإذا انكسر! ودخله الهواء أفسد عليه تركيبه وتكوينه، وعندها ينطفىء المصباح أسرع ما يكون.
وهكذا القلب فإنه يؤدي دوره ويطمئن ويهدأ ما دام مغلقا، فإذا دخله الهواء والفراغ وانفتح على المعاصي والآثام وتعلق بغير الله احتوته الهموم والقلاقل والضنك والأحزان. لهذا كان من طرق العلاج أن لا يعيش الإنسان في فراغ مطلقاً، وإنما يحرص على ملء وقته بالبرامج والأعمال التي تعود عليه بالخير والنفع في أخراه ، أو يساعده ويطوره للنجاح في دنياه، رابطاً كل ذلك بالهدف والرسالة التي من أجلها خلقه الله، حريصاً على القيام بالواجبات، منافساً في الطاعات والقربات، وهو متى فعل ذلك سيجد أن أبواب العمل والبذل والعطاء أكثر من أن تحصى، وأن وقته سيضيق عن الإتيان بها كلها، وعندها لن تراه يسأل: ماذا أعمل؟ أو لأجل ماذا أعمل؟ أو أن يعمل أعمالأ أقرب إلى اللهو والعبث منها إلى الجد والفائدة، ويدعي أنه مشغول وهو ليس كذلك.
أما نماذج الأعمال التي يحسن بالمسلم أن يختار منها ما يناسب ظروفه ليملأ بها وقته فعلى النحو التالي :
ا- حضور دروس أهل العلم ومجالسة العلماء وزيارتهم.
2- القراءة والاطلاع في كتب التراث العلمية أو الكتب المعاصرة، ومتابعة أحوال العالم الإسلامي من خلال المجلات المختصة الجادة.
3- الالتحاق بحلقات تحفيظ القران الكريم تجويده في بعض المساجد، دارساً أو مدرساً.
4 - الدخول في ميادين تجارية وأعمال مهنية مدروسة ليستفيد منها ويفيد.
5 - الزيارات الهادفة وصلة الرحم للأقارب والأرحام والأصدقاء.
6- المشاركة في الأنشطة الخيرية والأعمال المفيدة للمجتمع، مثل جمعيات البر، ومكاتب الجاليات، ومؤسسات الإغاثة والدعوة وغيرها.
7- الالتحاق بالدورات الفنية والبرامج العلمية التي تقام في بعض الجهات والمصالح لاكتساب خبرات إدارية ومهارات شخصية.
8- ممارسة الرياضة البعيدة عن المحرمات وما ينافي الأخلاق.
9- تعلم الحاسب الآلي والاستفادة من برامجه العلمية، واستغلاله في الدعوة إلى الله.. إلخ.
سابعاً: العيش في بيئة صالحة
ما أحسنَ قول من قال إن أهمية البيئة الصالحة للمسلم في هذا العصر كأهمية توفير الأرض الخصبة، والحرارة المناسبة، والتغذية الجيدة لبعض النباتات والأشجار، فإذا لم يتوفر لها هذه العناصر فإما أن يكون مصيرها إلى التلف، وإما أن تخرج ثمارها ضعيفة.
وهكذا إذاً المسلم في هذا العصر بحاجة ماسة إلى هذه البيئة الصالحة التي تعينه على تطبيق مبادىء ومثل الإسلام بالصورة الكاملة، وتساعد على القيام بالكثير من الواجبات والطاعات، وتكون سبباً في ثباته واستقامته، وتزيل عنه ما يعيشه أكثر الناس اليوم من الهم والحزن، والملل والقلق. لأجل أهمية هذه الأهداف فإن عليه أن يبحث عنها كما يبحث عن الماء البارد في قائلة الصيف أو أشد، لأنه بها ومعها يكسب خيرات كثيرة ومصالح عدة في دينه ودنياه وبدونها يقع في خسائر لا تعد ولا تحصى، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بها والحرص عليها وهو النبي المعصوم، فنحن المساكين التي تحيط بنا الفتن من كل جانب أولى بهذه الدعوة، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
ولكن من المسلمين من ليست الصحبة الصالحة على باله وليس لها موضع في اهتمامه وتفكيره بحجة أنه يعرف مصلحة نفسه وفي غنى عنها مادياً أو معنوياً. ومنهم من تجده العكس يعيش مع صحبة وأصدقاء يكاد لا يفارقهم ولا يفارقونه، غير مبال أن يكونوا صالحين أو طالحين. وهذا وذاك كلاهما على خطأ، لأن المطلوب أن يكون الإنسان اجتماعياً وإذا أراد أن يكون له صحبة عليه أن يختارها بعناية وشروط دقيقة حتى ينتفع بها في كل جانب من جوانب حياته لا أن تكون العكس سبباً في إفساد خلقه، وتمييع دينه وتضييع مستقبله، وإصابته بالهموم والأحزان، وعض أصابع الحسرة والندم كما هو وضع بعض من وصلت بهم إلى السجون والزنازين المظلمة نعوذ بالله.
ثامنا: القيام بواجب الدعوة والإصلاح
وإن إشغال النفس، بواجب الدعوة والإصلاح للناس لهو كفيل بإذن الله تعالى بإسعاد القلب، وطمأنينة النفس، وإزالة ما تشعر به من تلك الهموم التي يشعر بها كثير من الفارغين عن مثل هذه الهموم الدعوية، ومن تقتصر اهتماماتهم وتفكيرهم حول أنفسهم وحاجاتهم الذاتية، وملذاتهم الخاصة، ومستقبلهم الدنيوي.
إذ الداعية يكسب بهذه الوظيفة الاستجابة لأمر الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ويكسب طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: «بلغوا عني ولو آية» و «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»، وأكرِم بهما من طاعة واستجابة، وينشغل برسالة الأنبياء، أشرف مهمة، وأكثرها أجراً بعد إصلاح النفس وتزكيتها. أما أولئك الناكصون والمقصرون عن القيام بهذه الرسالة بحجة جلب الراحة لأنفسهم، وقطع التفكير في قضايا وأمور هم في غنى عن الانشغال بها، فمع ما هم عليه من إثم لتخلفهم عن طاعة ربهم ورسوله ، فهم يعيشون في فراغ قاتل وملل وهمّ، ولا يعلم مقداره إلا الله، فأين أرباح ما هربوا منه بالمقارنة إلى خسارة ما وقعوا فيه؟
فيا من تريد السعادة، ولذة العيش، وامتداد العمر بعد الموت، إن الطريق إلى ذلك سهل وميسور، ومن أفضلها طريق الدعوة الذي لا يتطلب منك أن يكون لديك العلم الكامل، والفقه الشامل بأمور الدين كلها، كلا؛ إنما يكفي أن تبلغ غيرك ما لديك من علم وأحكام، بالأسلوب الحكيم والطريقة الجذابة، وأن تحمل هذا الهم والحرص عليه في أي مكان وزمان، سواء عبرت عنه بالكلمة الطيبة، أو النصيحة الصادقة، أو القدوة الحسنة، أو إهداء الكتاب والشريط المناسب، أو الدلالة على الخير، أو غير ذلك مما له الأثر الفعال، والثمرة المرجوة.
تاسعا: الصبر والشجاعة في مواجهة الأقدار
يتصور كثر من الناس -خاصة الشباب- أن الحياة يجب أن تمتلىء جنباتها دائماً بالسعادة والسهولة، والاجتماع والأنس، والتفوق والنجاح، والصحة والسلامة، والغنى والرفاهية، إلى غير ذلك من الأمنيات التي يتمناها كل إنسان في هذه الحياة، لهذا ترى أحدهم إذا أصيب بعكس ما يتوقعه من أحلام: أصابه الملل والضجر، وحزن وتسخط، متناسياً أن الله جبل هذه الحياة على شيء من المشاق والمصاعب، والآلام والمتاعب، وحكمته في ذلك ليكون دافعاً للإنسان أن يزهد في هذه الدار الفانية، وأن يعلق قلبه بالآخرة، وما فيها من لذة النظر إلى وجه الله الكريم، والفوز بالجنة، دار النعيم، والراحة والطمأنينة الأبدية. أما الإنسان ذو الإيمان القوي فتجده عندما يصاب بأي مصيبة سواء كانت عائلية، أو نفسية، أو صحية، أو مالية، أو دراسية، أو غيرها، فإنك تراه صابراً عليها، مستسلماً لها من الجانب القلبي (المعنوي ) ويحمد الله تعالى عليها، أنها لم تكن في دينه إنما في دنياه، وأنها ليست أكبر من هذه الواقعة التي حصلت، ولأنه يرجو ثوابها من الله، ولأمله في الفرج والمخرج منها قريباً. لذا فهو مطمئن القلب، هادىء الضمير، راض بقضاء الله وقدره، بل إنه ينظر إليها من زاوية أخرى، إذ يتوقع أن تكون قد حدثت بسبب ذنوبه وتقصيره في حق الله تعالى، فيكثر عند ذلك من التوبة والاستغفار، ويلح في العودة إلى ربه، وهذا خير كثير، ومكسب عظيم، فتكون مفتاحاً وسبباً لمستقبل دنيوي وأخروي أفضل.
عاشراً: الترويح الهادف
ولعل من الطرق الناجعة لعلاج هذا الملل هو: الترويح عن النفس بالأساليب المباحة وفي الأوقات والأمكنة اللائقة. لأن البعض إما أنه لا يعرف شيئا اسمه الترويح والاستجمام بحجة ارتباطه بأعماله الدائمة، فينتج عنه أن تمل نفسه وتضيق.
وإما أن تجده حريصاً على الترويح والاستجمام والإكثار منه، حتى أفقده متعته، وأصبح بالنسبة له شيئاً مملاً، وممارسة روتينية، وذلك تركيزه وأمثاله في ترويحهم على جانب واحد أو جانبين وهما جانب النفس والجسم، فتراهم يتقلبون في برنامجهم ما بين ملاعب الكرة وأنواع الرياضة، إلى موائد الأكل والشرب، إلى مجالس الكلام والضحك، ولا شيء غير ذلك من البرامج المفيدة الأخرى هذا إذا لم يتجاوز تريحهم إلى ممارسة الحرام وقوله وسماعه.
والعجب أنهم رغم كثرة ما ينفق هؤلاء من الأموال والأوقات والجهود، ويبذلون من التعب والنصب لأجل ذلك المتعة، إلا أنهم مع ذلك كله وبسبب ارتكاب المعاصي والمنكرات يعود بعضهم وقد ضاقت نفسه، وحزن قلبه، وشعر بالمهانة والاحتقار من بعضهم ، بالإضافة إلى تحمله الكثير من الآثام.
فالترفيه الهادف هو الذي لا يتجاوز حدود المباح في عرف الشرع وليس في عرف الناس، وهو الذي يشبع حاجات الناس الرئيسة بكل تكامل وانسجام، ويعطي كل جانب فيه من الإهتمام والعناية، ومن أهم تلك الجوانب: الجانب العلمي، والإيماني، والعقلي، والجسمي، والنفسي.. فإذا أعطى كل من هذه الجوانب نصيبها - خصوصاً في أوقات الترويح الطويلة - فإن الهدف المرجو بإذن الله يتحقق وذلك من مثل: تجديد النشاط، وإزالة الملل، والشعور بالأنس والسعادة، وغير ذلك من الأهداف الأخرى التي يعرفها من جرب هذا الترويح الهادف.
(( طريق الاسلام ))